الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد .
فإن حسن الصوت من النعم التي ينعم الله بها على من شاء من عباده ، وهي نعمة كغيرها من النعم قد تستعمل في طاعة الله عز وجل فتكون سببا لرضا الرب تبارك وتعالى ، وقد تستعمل في معصيته سبحانه وتعالى فتكون سببا في سخطه وعقابه نسأل الله تعالى العافية والسلامة.
ويستحب لقارىء القراّن تحسين صوته به ، وذلك بالإجماع :
* قال النووي رحمه الله تعالى : " أجمع العلماء رضي الله عنهم من السلف والخلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء الأمصار أئمة المسلمين على استحباب تحسين الصوت بالقرآن" ( التبيان ص109 المكتبة الشاملة ) .
وقد ورد جمع من الاّيات القراّنية والأحاديث النبوية وأقوال الصحابة وسلف الأمة تبين فضيلة تحسين الصوت بالقراّن والحث عليه ، وسنحاول بإذن الله وعونه أن نجمع نخبة منها فالله المستعان وعليه التكلان .
1 - حث المنان على تحسين الصوت بالقراّن
* قال تعالى : " أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا " ( المزمل 4)
- قال القرطبي رحمه الله في تفسيره : " والترتيل التنضيد والتنسيق وحسن النظام، ومنه ثغر رتل ورتل، بكسر العين وفتحها: إذا كان حسن التنضيد." ( ج19 ص37 - المكتبة الشاملة )
وقال : " وسمع علقمة رجلا يقرأ قراءة حسنة فقال: لقد رتل القرآن، فداه أبي وأمي "( المصدر السابق لكن ص38 )
- وتحدث ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الاّية عن استحباب تحسين الصوت بالقراّن .
2 - الأنبياء وحسن الصوت
لقد رزق الله عددا من أنبيائه حسن الصوت ، كما في الحديث المتفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ "
ومن هؤلاء الأنبياء الذين أعطوا صوتا حسنا داود عليه السلام ، فقد قال تعالى : " وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ " (سبأ 10 )
- قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الاّية : " يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله داود، صلوات الله وسلامه عليه، مما آتاه من الفضل المبين، وجمع له بين النبوة والملك المتمكن، والجنود ذوي العَدَد والعُدَد، وما أعطاه ومنحه من الصوت العظيم، الذي كان إذا سبح به تسبح معه الجبال الراسيات، الصم الشامخات، وتقف له الطيور السارحات، والغاديات والرائحات، وتجاوبه بأنواع اللغات. وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع صوت أبي موسى الأشعري يقرأ من الليل، فوقف فاستمع لقراءته ، ثم قال " لقد أوتي هذا مِزْمَارًا من مزامير آل داود".
وقال أبو عثمان النهدي: ما سمعت صوت صَنج ولا بَرْبَط ولا وَتَر أحسن من صوت أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه."( تفسير ابن كثير ج6 ص497 الشاملة )
وممن أوتي حسن الصوت من الأنبياء أيضا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ففي الصحيحين عن البراء رضي الله عنه قال : " سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ
{ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ }
فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ صَوْتًا أَوْ قِرَاءَةً مِنْهُ "
3 - إرشاد النبي العدنان إلى تحسين الصوت بالقراّن
وقد وردت أحاديث كثيرة في استحباب تحسين الصوت بالقراّن ومنها :
* ما رواه البخاري ومسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي مُوسَى : " لَوْ رَأَيْتَنِي وَأَنَا أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِكَ الْبَارِحَةَ لَقَدْ أُوتِيتَ مِزْمَارًا مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ "
- قال النووي رحمه الله : " قَالَ الْعُلَمَاء : الْمُرَاد بِالْمِزْمَارِ هُنَا الصَّوْت الْحَسَن ، وَأَصْل الزَّمْر الْغِنَاء ، وَآلُ دَاوُدَ هُوَ دَاوُدُ نَفْسه ، وَآلُ فُلَان قَدْ يُطْلَق عَلَى نَفْسه ، وَكَانَ دَاوُدُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسَن الصَّوْت جِدًّا " ( شرح النووي على صحيح مسلم ج3 ص146 الشاملة )
* روى البخاري في صحيحه معلقا وفي خلق أفعال العباد موصولا والإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة عن البراء رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ "
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " قَالَ ( أي ابن بطال ) : وَلَعَلَّ الْبُخَارِيّ أَشَارَ بِأَحَادِيث هَذَا الْبَاب إِلَى أَنَّ الْمَاهِر بِالْقُرْآنِ هُوَ الْحَافِظ لَهُ مَعَ حُسْن الصَّوْت بِهِ وَالْجَهْر بِهِ بِصَوْتٍ مُطْرِب بِحَيْثُ يَلْتَذّ سَامِعه " ( فتح الباري ج20 ص140 الشاملة )
* أَخْرَجَ اِبْن مَاجَهْ وَالْكَجّيّ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّان وَالْحَاكِم مِنْ حَدِيث فَضَالَة بْن عُبَيْد مَرْفُوعًا " اللَّه أَشَدّ أَذَنًا - أَيْ اِسْتِمَاعًا - لِلرَّجُلِ الْحَسَن الصَّوْت بِالْقُرْآنِ مِنْ صَاحِب الْقَيْنَة إِلَى قَيْنَته " وَالْقَيْنَة الْمُغَنِّيَة
* وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى مِنْ طَرِيق سَعِيد بْن أَبِي بُرْدَة عَنْ أَبِيهِ بِزِيَادَةٍ فِيهِ " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَائِشَة مَرَّا بِأَبِي مُوسَى وَهُوَ يَقْرَأ فِي بَيْته ، فَقَامَا يَسْتَمِعَانِ لِقِرَاءَتِهِ ، ثُمَّ إِنَّهُمَا مَضَيَا . فَلَمَّا أَصْبَحَ لَقِيَ أَبُو مُوسَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا أَبَا مُوسَى ، مَرَرْت بِك " فَذَكَرَ الْحَدِيث فَقَالَ " أَمَا إِنِّي لَوْ عَلِمْت بِمَكَانِك لَحَبَّرْته لَك تَحْبِيرًا " وَلِابْنِ سَعْد مِنْ حَدِيث أَنَس بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْط مُسْلِم " أَنَّ أَبَا مُوسَى قَامَ لَيْلَة يُصَلِّي ، فَسَمِعَ أَزْوَاج النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْته - وَكَانَ حُلْوَ الصَّوْت - فَقُمْنَ يَسْتَمِعْنَ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قِيلَ لَهُ ، فَقَالَ : لَوْ عَلِمْت لَحَبَّرْته لَهُنَّ تَحْبِيرًا " وَلِلرُّويَانِيّ مِنْ طَرِيق مَالِك بْن مِغْوَل عَنْ عَبْد اللَّه بْن بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ نَحْو سِيَاق سَعِيد بْن أَبِي بُرْدَة وَقَالَ فِيهِ " لَوْ عَلِمْت أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَمِع قِرَاءَتِي لَحَبَّرْتهَا تَحْبِيرًا " وَأَصْلهَا عِنْد أَحْمَد ( فتح الباري ج14 ص272 الشاملة )
* ما رواه أبو داود رحمه الله عن سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ "
وقد اختلف العلماء في تفسيره إلى خمسة أقوال ذكرها ابن حجر رحمه الله في الفتح ( ج14 ص240 الشاملة )
وذكر النووي رحمه الله أن قول الجمهور في تفسيره هو من لم يحسن صوته ( التبيان ج1 ص110 الشاملة ) وقال إن هذا القول هو الصحيح ( شرح صحيح مسلم ج3 ص144 الشاملة )
4 - حسن الصوت والإمامة
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح : " وَأَخْرَجَ اِبْن أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيق اِبْن أَبِي مُسْجِعَة قَالَ " كَانَ عُمَر يُقَدِّم الشَّابّ الْحَسَن الصَّوْت لِحُسْنِ صَوْته بَيْن يَدَيْ الْقَوْم " .( فتح الباري ج14 ص271 الشاملة )
وذهب الفقهاء إلى تقديم حسن الصوت في الإمامة إن تساوى مع غيره في الشروط الأخرى كالقراءة والفقه والورع والهجرة والسن ....إلخ
وراجع في ذلك المجموع للنووي رحمه الله ( ج4 ص283 الشاملة) وحاشية ابن عابدين رحمه الله ( ج4 ص230 الشاملة )
ولكن يحذر من تقديم المرء للصلاة لمجرد حسن الصوت مع خلوه من القراءة الصحيحة والفقه ، فقد جاء في الحديث الشريف : " بادروا بالأعمال خصالا ستا : إمرة السفهاء و كثرة الشرط و قطيعة الرحم و بيع الحكم و استخفافا بالدم و نشوا يتخذون القرآن مزامير يقدمون الرجل ليس بأفقههم
و لا أعلمهم ما يقدمونه إلا ليغنيهم " . ( راجع السلسلة الصحيحة للشيخ الألباني رحمه الله الحديث رقم 979 )
5 - حسن الصوت و الأذان
يقدم حسن الصوت في الأذان ، كما روى الترمذي وأبو داود وبن ماجة والإمام أحمد رحمهم اله عن عبد الله بن زيد رضي الله عنه في الحديث الطويل الذي فيه رؤيا الأذان وفيه : " فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ "
- قال صاحب عون المعبود: " وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ : فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ كُلّ مَنْ كَانَ أَرْفَع صَوْتًا كَانَ أَوْلَى بِالْأَذَانِ لِأَنَّ الْأَذَان إِعْلَام وَكُلّ مَنْ كَانَ الْإِعْلَام بِصَوْتِهِ أَوْقَع كَانَ بِهِ أَحَقّ وَأَجْدَر" ( عون المعبود ج2 ص25 الشاملة )
6 - تقديم السلف ذات الصوت الحسن لقراءة القراّن حتى يستمعوا إليه
قال النووي رحمه الله : " اعلم أن جماعات من السلف كانوا يطلبون من أصحاب القراءة بالأصوات الحسنة أن يقرؤوا وهم يستمعون وهذا متفق على استحبابه وهو عادة الأخيار والمتعبدين
وعباد الله الصالحين وهى سنة ثابتة عن رسول الله : فقد صح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال قال لي رسول الله : اقرأ علي القرآن فقلت يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أنزل قال إني أحب أن أسمعه من غيري فقرأت عليه سورة النساء حتى إذا جئت إلى هذه الآية فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) قال حسبك الآن فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان رواه البخاري ومسلم وروى الدارمي وغيره بأسانيدهم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول لأبي موسى الأشعري ذكرنا ربنا فيقرأ عنده القرآن والآثار في هذا كثيرة معروفة وقد مات جماعات من الصالحين بسبب قراءة من سألوه القراءة والله أعلم وقد استحب العلماء أن يستفتح مجلس حديث النبي : ويختم بقراءة قارئ حسن الصوت ما تيسر من القرآن ثم إنه ينبغي للقارئ في هذه المواطن أن يقرأ ما يليق بالمجلس ويناسبه وأن تكون قراءته في آيات الرجاء والخوف والمواعظ والتزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة والتأهيب لها وقصر الأمل ومكارم
الأخلاق " ( التبيان ص114 الشاملة )
7- حسن الصوت يقود صاحبه إلى التوبة
قال الذهبي رحمه الله : " وعن أبي هاشم الرماني، قال: قال زاذان: كنت غلاما حسن الصوت، جيد الضرب بالطنبور، فكنت مع صاحب لي وعندنا نبيذ وأنا أغنيهم، فمر ابن مسعود فدخل فضرب الباطية بددها وكسر الطنبور، ثم قال: لو كان ما يسمع من حسن صوتك يا غلام بالقرآن كنت أنت أنت، ثم مضى.
فقلت لاصحابي: من هذا ؟ قالوا: هذا ابن مسعود، فألقى في نفسي التوبة، فسعيت أبكي، وأخذت بثوبه، فأقبل علي فاعتنقني وبكى وقال: مرحبا بمن أحبه الله، اجلس، ثم دخل وأخرج لي تمرا " ( سير أعلام النبلاء ج4 ص 281 الشاملة )
فيا ليت هذا الأثر يصل إلى كل مغنٍ قد وهبه الله حسن الصوت لكنه استعمل نعمة ربه في الحرام فنقول له : ما أحسن صوتك لو كان في كتاب الله !!
8- حسن الصوت أمنية من أمنيات عتبة الغلام
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وَكَانَ " عتبة الْغُلَامُ " سَأَلَ رَبَّهُ ثَلَاثَ خِصَالٍ صَوْتًا حَسَنًا وَدَمْعًا غَزِيرًا وَطَعَامًا مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ . فَكَانَ إذَا قَرَأَ بَكَى وَأَبْكَى وَدُمُوعُهُ جَارِيَةٌ دَهْرَهُ وَكَانَ يَأْوِي إلَى مَنْزِلِهِ فَيُصِيبُ فِيهِ قُوتَهُ وَلَا يَدْرِي مِنْ أَيْنَ يَأْتِيه ." ( مجموع الفتاوى ج2 ص496 الشاملة )
9 - عندما يكون حسن الصوت سببا للنجاة !!
ذكر ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية في أحداث عام ثلاثمائة وثلاثة وتسعين : " وفيها خرج الركب العراقي إلى الحجاز في جحفل عظيم كبير وتجمل كثير، فاعترضهم الاصيفر أمير الاعراب، فبعثوا إليه بشابين قارئين مجيدين كانا معهم، يقال لهما أبو الحسن الرفا وأبو عبد الله بن الزجاجي ، وكان من أحسن الناس قراءة، ليكلماه في شئ يأخذه من الحجيج، ويطلق سراحهم ليدركوا الحج، فلما جلسا بين يديه قرآ جميعا عشرا بأصوات هائلة مطربة مطبوعة، فأدهشه ذلك وأعجبه جدا، وقال لهما: كيف عيشكما ببغداد ؟ فقالا: بخير لا يزال الناس يكرموننا ويبعثون إلينا بالذهب والفضة والتحف.
فقال لهما.
هل أطلق لكما أحد منهم بألف ألف دينار في يوم واحد ؟ فقال: لا، ولا ألف درهم في يوم واحد.
قال: فإني أطلق لكما ألف ألف دينار في هذه اللحظة، أطلق لكما الحجيج كله، ولولا كما لما قنعت منهم بألف ألف دينار.
فأطلق الحجيج كله بسببهما، فلم يتعرض أحد من الاعراب لهم، وذهب الناس إلى الحج سالمون شاكرون لذينك الرجلين المقرئين.
ولما وقف الناس بعرفات قرأ هذان
الرجلان قراءة عظيمة على جبل الرحمة فضج الناس بالبكاء من سائر الركوب لقراءتهما، وقالوا لاهل العراق: ما كان ينبغي لكم أن تخرجوا معكم بهذين الرجلين في سفرة واحدة، لا حتمال أن يصابا جميعا، بل كان ينبغي أن تخرجوا بأحدهما وتدعوا الآخر، فإذا أصيب سلم الآخر.
وكانت الحجة والخطبة للمصريين كماهي لهم من سنين متقدمة، وقد كان أمير العراق عزم على العود سريعا إلى بغداد على طريقهم التي جاؤوا منها، وأن لا يسيروا إلى المدينة النبوية خوفا من الاعراب، وكثرة الخفارات، فشق ذلك على الناس، فوقف هذان الرجلان القارئان على جادة الطريق التي منها يعدل إلى المدينة النبوية، وقرآ (ما كان لاهل المدينة ومن حولهم من الاعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه) الآيات [ التوبة: 120 ] فضج الناس بالبكاء وأمالت النوق أعناقها نحوهما، فمال الناس بأجمعهم والامير إلى المدينة النبوية فزاروا وعادوا سالمين إلى بلادهم ولله الحمد والمنة.
ولما رجع هذا القارئان رتبهما ولي الامر مع أبي بكر بن البهلول - وكان مقرئا مجيدا أيضا - ليصلوا بالناس صلاة التراويح في رمضان، فكثر الجمع وراءهم لحسن تلاوتهم، وكانوا يطيلون الصلاة جدا ويتناوبون في الامامة، يقرأون في كل ركعة بقدر ثلاثين آية، والناس لا ينصرفون من التراويح إلا في الثلث الاول من الليل، أو قريب النصف منه.( البداية والنهاية ج11 ص383 )
10 - حسن الصوت والدعوة إلى الله
فقد أسلم ضابط طيار إنكليزي بعدما سمع تلاوة للشيخ محمد رفعت ، وأسلم غيره على تلاوة الشيخ رفعت ، وسمعت - والله أعلم - أن أناسا قد أسلموا على تلاوة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد رحمه الله .
وحسن الصوت بالقراّن يكون سببا لهداية كثير من العصاة ورجوعهم إلى ربهم ، وكم من عاصٍ كانت قصة توبته اّية سمعها من قارىء حسن الصوت .
11 - من أحسن الناس صوتا ؟؟
روى ابن ماجة رحمه الله بسند صححه الألباني رحمه الله عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من أحسن الناس صوتا بالقرآن الذي إذا سمعتموه يقرأ حسبتموه يخشى الله "
12- حكم قراءة القراّن بالألحان
قال النووي رحمه الله : " وأما القراءة بالألحان فقد قال الشافعي رحمه الله في موضع أكرهها قال أصحابنا ليست على قولين بل فيه تفصيل إن أفرط في التمطيط فجاوز الحد فهو الذي كرهه وإن لم يجاوز فهو الذي لم يكرهه وقال أقضى القضاة الماوردي في كتابه الحاوي القراءة بالألحان الموضوعة إن أخرجت لفظ القرآن عن صيغته بإدخال حركات فيه أو إخراج حركات منه أو قصر ممدود أو مد مقصور أو تمطيط يخفي به بعض اللفظ ويتلبس المعنى فهو حرام يفسق به القارئ ويأثم به المستمع لأنه عدل به عن نهجه القويم إلى الاعوجاج والله تعالى يقول قرآنا عربيا غير ذي عوج قال وإن لم يخرجه اللحن عن لفظه وقراءته على ترتيله كان مباحا لأنه زاد على ألحانه في
تحسينه هذا كلام أقضى القضاة وهذا القسم الأول من القراءة بالألحان المحرمة مصيبة ابتلي بها بعض الجهلة الطغام الغشمة الذين يقرؤون على الجنائز وبعض المحافل وهذه بدعة محرمة ظاهرة يأثم كل مستمع لها كما قاله أقضى القضاة الماوردي ويأثم كل قادر على إزالتها أو على النهي عنها إذا لم يفعل ذلك وقد بذلت فيها بعض قدرتي وأرجو من فضل الله الكريم أن يوفق لإزالتها من هو أهل لذلك وأن يجعله في عافية " ( التبيان 111 - 112 الشاملة )
13 - ماذا يفعل من لم يرزق حسن الصوت ؟
قال أبو داود رحمه الله : " حدثنا عبد الأعلى بن حماد حدثنا عبد الجبار بن الورد قال سمعت ابن أبي مليكة يقول قال عبيد الله بن أبي يزيد مر بنا أبو لبابة فاتبعناه حتى دخل بيته فدخلنا عليه فإذا رجل رث البيت رث الهيئة فسمعته يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ليس منا من لم يتغن بالقرآن قال فقلت لابن أبي مليكة يا أبا محمد أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت قال يحسنه ما استطاع"
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اّله وصحبه وسلم .