هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُِ
قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه: الله الذي يصوركم فيجعلكم صوراً أشباحاً في أرحام أمهاتكم كيف شاء وأحب، فيجعل هذا ذكراً وهذا أنثى، وهذا أسود وهذا أحمر. يعرف عباده بذلك أن جميع من اشتملت عليه أرحام النساء، فممن صوره وخلقه كيف شاء، وأن عيسى ابن مريم ممن صوره في رحم أمه وخلقه فيها كيف شاء وأحب، وأنه لو كان إلهاً لم يكن ممن اشتملت عليه رحم أمه، لأن خلاق ما فى الأرحام لا تكون الأرحام عليه مشتملة، وإنما تشتمل على المخلوقين، كما:
حدثني ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير : هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ، أي: قد كان عيسى ممن صور في الأرحام، لا يدفعون ذلك ولا ينكرونه، كما صور غيره من بني آدم، فكيف يكون إلهاً وقد كان بذلك المنزل؟
حدثنا المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه عن الربيع : هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ، أي: أنه صور عيسى في الرسم كيف شاء.
قال آخرون في ذلك ما:
حدثنا به موسى بن هرون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط ، عن السدي ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مرة الهمداني ، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قوله: هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ، قال: إذا وقعت النطفة في الأرحام طارت في الجسد أربعين يوماً، ثم تكون علقةً أربعين يوماً، ثم تكون مضغة أربعين يوماً. فإذا بلغ أن يخلق، بعث الله ملكاً يصورها. فيأتي الملك بتراب بين إصبعيه فيخلطه في المضغة، ثم يعجنه بها، ثم يصورها كما يؤمر، فيقول: أذكر أو أنثى؟ أشقي أو سعيد؟ وما رزقه؟ وما عمره؟ وما أثره؟ وما مصائبه؟ فيقول الله، ويكتب الملك. فإذا مات ذلك الجسد، دفن حيث أخذ ذلك التراب.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله: هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء ، قادر والله ربنا أن يصور عباده في الأرحام كيف يشاء، من ذكر أو أنثى، أو أسود أو أحمر، تام خلقه وغير تام.
قال أبو جعفر : وهذا القول تنزيه من الله تعالى ذكره نفسه أن يكون له في ربوبيته ند أو مثل، أو أن تجوز الألوهة لغيره، وتكذيب منه للذين قالوا في عيسى ما قالوا، من وفد نجران الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسائر من كان على مثل الذي كانوا عليه من قولهم في عيسى، ولجميع من ادعى مع الله معبوداً أو أقر بربوبية غيره. ثم أخبر جل ثناؤه خلقه بصفته، وعيداً منه لمن عبد غيره، أو أشرك في عبادته أحداً سواه، فقال: هو العزيز الذي لا ينصر من أراد الانتقام منه أحد، ولا ينجيه منه وأل ولا لجأ، وذلك لعزته التي يذل لها كل مخلوق، ويخضع لها كل موجود. ثم أعلمهم أنه الحكيم في تدبيره وإعذاره إلى خلقه، ومتابعة حججه عليهم، ليهلك من هلك منهم عن بينة، ويحيي من حي عن بينة، كما:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحق ، عن محمد بن جعفر بن الزبير قال: ثم قال -يعني الرب عز وجل-: إنزاهاً لنفسه، وتوحيداً لها مما جعلوا معه: لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، قال: العزيز في انتصاره ممن كفر به إذا شاء، والحكيم في عذره وحجته إلى عباده.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه، عن الربيع : لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، يقول: عزيز في نقمته، حكيم في أمره.