الجهر بالدعوة الإسلامية
استمرَّ الرسول عليه الصلاة والسلام يدعو الناس إلى الإسلام سرّ ثلاث سنين، حتَّى جاء أمر الله إليه أن يجهر بالدعوة إلى الله، وأن يدعو الناس للإسلام. وكان بدء هذه المرحلة الهامة من الدعوة نزول قول الله سبحانه وتعالى { فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركيِن } [سورة الحجر، آية94]، وكذلك قوله تعالى{ وأنذر عشرتك الأقربين واخفض جناحك لمن تبعك من المؤمنين* فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون } [سورة الشعراء، آية 214-215]، تنفيذاً لأمر الله سبحانه وتعالى بالجهر بالدعوة قام الرسول عليه الصلاة والسلام بالصعود على الصفا وقال:" يا معشر قريش ". فقالت قريش: محمد على الصفا يـهتف، فأقبلوا إليه واجتمعوا عنده وقالوا: مالك يا محمد؟ قال صلَّى الله عليه وسلم:" أرأيتم لو أخبرتكم أنَّ خيلاً بسفح هذا الجبل أكنتم تصدقونني؟ قالوا: نعم، أنت عندنا غير متهم، وما جرّبنا عليك كذباً قط. فقال لهم: إني نذير لكم بين يدي عذابٍ شديد، يا بني عبد المطلب، يا بني عبد مناف، يا بني زهرة، وعدَّد عليه الصلاة والسلام قبائل قريش، إنَّ الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، وإني لا أملك لكم من الدنيا منفعة ولا من الآخرة نصيباً إلاَّ أن تقولوا لا إله إلاَّ الله ". فقال أبو لهب:" تباً لك ألهذا جمعتنا ". فأنزل الله تبارك وتعالى { تبَّت يدا أبي لهب وتب* ما أغنى عنه ماله وما كسب* سيصلى ناراً ذات لهب* وامرأته حمَّالة الحطب* في جيدها حبلٌ من مسد} [سورة المسد].وقد أغضبت هذه السور، أبا لهب، فأظهر هو وزوجته العداوة الشديدة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
انطق الرسول عليه الصلاة السلام يدعو للإسلام جهراً، فأخذ يدعو السادة والعبيد، ويدعو الأقربين، وكذلك الغرباء، ويدعو أهل مكة، ويدعو الحجاج الذين يفدون إلى مكة من مختلف البلدان، واستمرّت هذه المرحلة في مكة عشر سنين حتى هجرة المسلمين إلى يثرب، وقد لقي المسلمون في هذه المرحلة الأذى والتعذيب من قريش، وظلُّوا صابرين أقويـاء بإيمانهم وعقيدتهم، وفيما يلي تفصيل عن صور الإيذاء التي لقيها المسلمون في سبيل الإسلام.
إيذاء قريش للمسلمين:
بدأت مقاومة قريش للرسول عليه الصلاة والسلام عندما أخذ يتلو عليهم الآيات القرآنية مبيناً لهم مبادئ الدين الإسلامي الجديد وأهدافه في العدل والمساواة بين البشر، وفي عبادة الله وحده لا شريك له، وترك عبادة الأصنام، مبشراً المؤمنين بالجنة، ومنذراً الذين كفروا بعذابٍ عظيم.
ولمَّا أظهر الرسول عليه الصلاة والسلام ومن معه الإسلام، وفشا أمره في مكة، كان أصحابه يعاونونه في نشر الدعوة بين النَّاس، فغضبت لذلك قريش، وكان من أشدهم حرباً على الرسول عليه الصلاة والسلام وإيذاءً له أبو جهل (عمرو بن هشام)، وأبو لهب بن عبد المطلب، والوليد بن المغيرة، و النضر بن الحارث، وغيرهم. ولكنَّ الرسول عليه الصلاة والسلام استمرَّ في دعوته ولم يتخاذل أمامهم، وظلَّ مجاهداً بكل ما أُوتي من وسائل الإقناع وإقامة الأدلة على صحة دعوته. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام في أوَّل الأمر يتجنَّب الاحتكاك بالمشركين، فكان يذهب ومَنْ معه من المسلمين إلى صعاب مكة يؤدون الصلاة، غير أنّ المشركين كانوا يتصدون لهم بالسباب والشتائم.
أخذ المشركون يسخرون من الرسول عليه الصلاة والسلام ويتهمونه بالسحر والجنون، وينشرون ذلك بين الناس والحجاج، والرسول عليه الصلاة والسلام يكذبهم، فزادهم ذلك ضيقاً وتجاوز إيذاؤهم الكلام إلى إلقاء القذى على الرسول عليه الصلاة والسلام أثناء الصلاة، ووضع الشوك في طريقه، كل هذا يحدث والرسول عليه الصلاة والسلام على ما هو عليه من صبرٍ وتَحَمُّلٍ واستمرارٍ في نشر الدعوة التي آمن بها كثير من الناس خاصةً العبيد الَّذين رأوا في هذا الدين ما يُحرّرهم من عبوديتهم، ويحفظ لهم آدميتهم.
لمَّا يئس المشركون من تحقيق هدفهم بدأوا مرحلة جديدة من الإيذاء، مرحلة العداوة والتعذيب أمَّا الرسول عليه الصلاة والسلام فقد حماه الله بعمه أبي طالب، لأنَّه شريفاً، ذا مكانة مرموقة في مكة، وكذلك مَنْ كان مِنْ أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام له عشيرة تحميه، امتنع بعشيرته. أمَّا الباقي فقد تصدَّى لهم المشركون بالأذى والتعذيب، ومِن هؤلاء عمَّار بن ياسر وأمُّه سمية وأهل بيته، عُذِّبوا في الله، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إذا مرَّ بهم وهم يُعَذَّبُون يقول:" صبراً آل ياسر فإنَّ موعدكم الجنَّة "، ومرَّ أبو جهل بسمية أمَّ عمَّار وهي تُعَذَّب وزوجها وابنها، فطعنها بحربةٍ فقتلها، فكانت أول شهيدة في الإسلام. وكان أبو بكر الصديق إذا مرَّ بأحدٍ من العبيد يُعَذَّب اشتراه وأعتقه، منهم بلال بن رباح، فإنَّه عُذّبَ في الله أشد العذاب، وكان كُلَّما اشتدَّ به العذاب يقول: أحد. أحد. ولقد لقي الكثير من المسلمين غيـر هؤلاء الأذى من المشركين، ولكن الله سبحانه وتعالى ربط على قلوبهم وثبَّتهم على الإيمان حتى حقَّق الله لهم النصر، وكتب لهم العزة، وأيَّدهم على عدوهم.
أجب عن الأسئلة الآتية:
1 - كم استمرَّت الدعوة إلى الإسلام سراً؟
2 - ماذا قال أبو لهب للرسول علية الصلاة والسلام عند الصفا؟
3 - اذكر الآية القرآنية التي تدل على الجهر بالدعوة؟
4 - من كان يعاون الرسول عليه الصلاة والسلام في الدعوة؟
5 - من كان أشد إيذاءً للرسول عليه الصلاة والسلام؟
6 - ما موقف الرسول عليه الصلاة والسلام من إيذاء قريش له؟
7 - من أوَّل شهيدة في الإسلام؟
8 - لماذا اتجه المشركون إلى تعذيب العبيد؟
9 - ما موقف أبو بكر الصديق من العبيد الذين كانوا يُعَذَّبون؟
10- ماذا كان يقول بلال عندما يشتد به العذاب؟